في عالم الدعوة الإسلامية المعاصرة، ظهرت تيارات ومصطلحات جديدة تستحق الدراسة والتحليل. ومن بين هذه المصطلحات "المدجنة" - وهو مصطلح يُطلق على فئة من الدعاة الذين يدّعون السلفية، لكنهم يُتهمون بتبني مواقف تخالف منهج أهل السنة والجماعة.
هذا المقال يقدم دراسة شاملة ومتوازنة لهذه الظاهرة، مستندًا إلى الأدلة الشرعية والتحليل العلمي، بهدف فهم حقيقة هذا التيار وخصائصه ومواقفه.
١. أصل المصطلح والتسمية
نقطة لغوية مهمة
كلمة "مدجن" مشتقة من الجذر اللغوي "د ج ن"، وتعني في الأصل ترويض الحيوان البري وجعله أليفًا ومطيعًا.
في السياق الديني المعاصر، يُستخدم مصطلح "المدجنة" للإشارة إلى الأشخاص الذين تم "ترويضهم" فكريًا لقبول أفكار وممارسات تخالف المنهج السلفي الصحيح، خاصة في التعامل مع الفرق المخالفة مثل الأشاعرة والماتريدية.
المعنى اللغوي
ترويض وتطويع الشيء البري ليصبح أليفًا ومطيعًا
المعنى الاصطلاحي
ترويض الفكر السلفي ليتقارب مع المناهج المخالفة
يُشار إلى هذه الفئة أحيانًا بمصطلحات أخرى مثل "المداخلة الجدد" أو "السلفية المدجنة"، مما يوحي بوجود صلة مع التيار المدخلي، لكن مع تساهل أكبر في التعامل مع الأشاعرة.
٢. نشأة الظاهرة وسياقها التاريخي
السياق التاريخي للظهور
ظهرت هذه الفئة في سياق معقد من التطورات الفكرية والسياسية في العالم الإسلامي
الاعتماد على الخلف دون السلف
عدم الرجوع إلى السلف الصالح والاكتفاء بأقوال الخلف من المتأخرين، مما أدى إلى انحراف في المنهج
الاتحادات المشبوهة
انضمام بعض السلفيين إلى اتحادات يقودها الأشاعرة مثل اتحاد علماء المسلمين
الضغوط السياسية
ضغوط سياسية واجتماعية للتقارب بين التيارات الإسلامية
تأثير وسائل الإعلام
تأثير وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي في نشر هذا المنهج
هذه التطورات أدت إلى اتهام هؤلاء بـ"التدجين" وتبني مواقف تقرب من الأيديولوجيات الأشعرية، مما خلق جدلاً واسعًا في الأوساط السلفية حول مدى التزامهم بالمنهج الأصيل.
٣. الخصائص والسمات المميزة
تنبيه: الخصائص التالية مستقاة من النقد الموجه لهذه الفئة من قبل علماء مثل الشيخ محمد بن شمس الدين وغيرهم من الباحثين المختصين.
أ. الخصائص العقدية والمنهجية
الجرح والتعديل
تطبيق انتقائي لقواعد الجرح والتعديل، بحيث يُطالبون بالمناظرة قبل تبديع الأشاعرة بينما يُسارعون لتجريح منتقديهم دون تثبت أو تروي.
المشكلة: ازدواجية المعايير في التطبيق
الامتحان والاختبار
اختبار الناس بمواقفهم من علماء الأشاعرة كالنووي والسيوطي، واعتبار ذلك معيارًا أساسيًا للحكم على انتمائهم وعقيدتهم.
التحذير: تحويل شخصيات بعينها لمحك العقيدة
الولاء والبراء
تطبيق مبدأ الولاء والبراء بناءً على الموقف من الأشاعرة، فمن أكرمهم يُوالى ومن انتقدهم يُعادى، مخالفين للضوابط الشرعية.
الانحراف: ربط الموالاة بغير ما أنزل الله
المركزيات والأولويات
إعطاء الأولوية المطلقة لتوحيد الأمة مع الفرق المخالفة على حساب نقاء العقيدة السلفية والالتزام بمنهج السلف الصالح.
المخالفة: تقديم المصلحة الظنية على النص القطعي
ب. الخصائص التطبيقية والسلوكية
العذر في البدعة
يعذرون المبتدعة من الأشاعرة بدعاوى مختلفة كعدم قيام الحجة أو الاجتهاد، بينما لا يطبقون هذا المعيار الرحيم على المخالفين لهم من أهل السنة.
تشويه المخالفين
إطلاق ألقاب منفرة على منتقديهم مثل "تكفيري" أو "يكفر العلماء"، حتى لو كانوا ملتزمين بالمنهج السلفي الصحيح ولا يقولون بالتكفير.
الألقاب المستخدمة
تكفيري، غالي، متشدد
الهدف
تنفير الناس منهم
الكذب والتأويل
تحريف أقوال المخالفين أو تأويلها بما يخدم موقفهم، مع حمل أقوال الأشاعرة على أحسن المحامل حتى لو كانت واضحة البدعة.
مثال: تأويل كلام المنتقدين بأسوأ المحامل وتأويل كلام الأشاعرة بأحسنها
ج. الخصائص المنهجية والفكرية
-
١
القسوة على أهل السنة واللين مع الآخرين: تعامل قاسٍ مع السلفيين المنتقدين لهم، بينما يظهرون تسامحًا مفرطًا مع الأشاعرة.
-
٢
الطعن في السلف الصالح: التقليل من شأن السلف أو الطعن فيهم أحيانًا لتبرير التقارب مع أهل البدع.
-
٣
عدم اتباع السلف في الأحكام: الاعتراف الصريح بعدم اتباع منهج السلف في الأحكام الشرعية خوفًا من "تكفير" بعض العلماء.
-
٤
تقديس الناشرين للبدع: تقديس بعض الأشخاص الناشرين للبدع ومنع النقد العلمي لهم.
مصدر مهم: هذه الخصائص موثقة ومفصلة في كتابات الشيخ محمد بن شمس الدين وغيرها من المصادر العلمية المختصة في دراسة الفرق والمذاهب.
٤. منهجية التعامل مع المخالفين
الفئة المستهدفة | أسلوب التعامل | المظاهر العملية | التوصيف |
---|---|---|---|
السلفيون المنتقدون
|
قسوة وتشديد |
|
يعاملون أهل السنة بحدة وقسوة غير مبررة |
أعضاء جماعتهم
|
تساهل ومحاباة |
|
يطبقون المعايير بانتقائية مع أنفسهم |
الأشاعرة والماتريدية
|
تقدير وإجلال |
|
يُظهرون لهم احتراماً مفرطاً يتجاوز الحد المشروع |
مظاهر التطبيق المنهجي
التطبيق الانتقائي للقواعد
يطبقون القواعد الشرعية بشكل متحيز، فما يُنكرونه على غيرهم يتساهلون فيه مع شخصياتهم المقدسة.
الاعتماد على الخلف
يفضلون فهم الخلف على نصوص السلف، ويزعمون أنه لا يمكن فهم السلف إلا من خلال المتأخرين.
٥. وجهة نظر المدجنة
دفاعهم عن أنفسهم
يدافع المنتسبون إلى هذا التيار عن أنفسهم بحجج متعددة، أبرزها:
- السعي لتوحيد الأمة الإسلامية بين مختلف التيارات
- الاعتراف بفضل علماء الأشاعرة وإسهاماتهم في خدمة الإسلام
- تجنب الفرقة والخلافات التي تضر بوحدة المسلمين
- التركيز على الأعمال والسلوك بدلاً من الخلافات النظرية
حججهم الأساسية
يعتبرونهم مراجع نهائية لا يُنتقدون
حتى لو كانت على حساب العقيدة
تجاهل الخلافات الجوهرية
ولكن مع تعريف مغلوط للتشدد
أهدافهم الخفية
جعله مقبولاً للأشاعرة والمخالفين
تطبيع البدع والمناهج المنحرفة
بالتساهل في العقيدة والمنهج
بتسمية المنهج السلفي تطرفاً
يرون أن مصطلح "المدجنة" يعكس جهودهم المحمودة لتوحيد الأمة، وأن نقادهم متشددون لا يفهمون روح الإسلام في التسامح والوحدة. كما يستشهدون بأقوال بعض العلماء المعاصرين الذين يؤيدون نهجهم في التقارب مع الأشاعرة.
٦. أمثلة تطبيقية ومواقف
أمثلة مثيرة للجدل
الأمثلة التالية موثقة ومسجلة، وتُظهر بعض المواقف التي أثارت جدلاً واسعًا في الأوساط العلمية:
1 موقف من مسيلمة الكذاب
الداعية: أبو عمر الباحث (طارق السيد)
المسألة: التشكيك في أن مسيلمة الكذاب في النار
هذا الموقف يخالف الإجماع الإسلامي، حيث أن ادعاء النبوة كفر بواح، ومصير المرتدين والكافرين معلوم من الدين بالضرورة.
التحليل: يُعتبر هذا الموقف زلة عقدية خطيرة تتعارض مع أصول السلف في التعامل مع المرتدين.
2 الخلط بين الاستغاثة والتوسل
الداعية: أبو عمر الباحث
المسألة: ادعاء أن الاستغاثة تحتمل معنى التوسل
هذا التداخل في المفاهيم يُفتح بابًا للشرك، حيث يُصور دعاء غير الله على أنه مجرد توسل.
3 ربط الانتماء السني بقبول إمامة النووي
الداعية: أبو الفضل المصري
المسألة: اعتبار رفض إمامة النووي خروجًا من أهل السنة
هذا الموقف يفتقر للأساس الشرعي، فالانتماء لأهل السنة يعتمد على اتباع الكتاب والسنة بفهم السلف، وليس على قبول عالم معين.
٧. مقارنة منهجية: المدجنة مقابل السلفية التقليدية
جوانب المقارنة | المدجنة | السلفية التقليدية |
---|---|---|
الموقف من الأشاعرة | التساهل والتقارب، اعتبار علمائهم أئمة معصومين | التحذير من بدعهم مع الإنصاف في أشخاصهم |
التعامل مع أهل السنة | القسوة والتبديع والاتهام بالتكفير | الرفق والنصح والمناقشة العلمية |
موقف من السلف الصالح | الطعن أو التقليل من شأنهم عند التعارض | الإكرام والاقتداء والتمسك بمنهجهم |
الأولويات والمركزيات | توحيد الأمة مع الفرق الأخرى على حساب العقيدة | التمسك بالعقيدة الصحيحة ثم الوحدة عليها |
المصادر والمراجع | الاعتماد على الخلف والمتأخرين في الفهم | الرجوع للكتاب والسنة بفهم السلف الصالح |
التطبيق العملي | تطبيق انتقائي للقواعد الشرعية | تطبيق عادل ومتوازن للأحكام الشرعية |
٨. الخلاصة والتوصيات
الخلاصة العلمية
"المدجنة" فئة من الدعاة تدعي السلفية لكنها تُتهم بالانحراف عن منهج أهل السنة من خلال التساهل المفرط مع الأشاعرة والقسوة غير المبررة على السلفيين الملتزمين بمنهج السلف. وبينما يرى بعضهم أنفسهم دعاة وحدة وتقارب، يرى النقاد أن مواقفهم تخالف الأصول السلفية وتضر بنقاء العقيدة.
ادعاءات المدجنة
تنبيه: ليست كل وحدة محمودة، فالوحدة المحمودة هي التي تقوم على الحق والهدى، أما الوحدة على الباطل أو التي تقتضي التنازل عن أصول العقيدة فهي مذمومة شرعاً.
مآخذ جوهرية
التوصيات للمسلمين
للباحثين والمهتمين
ندعو الباحثين والمختصين إلى المزيد من الدراسة والتحليل لهذه الظاهرة، مع ضرورة الاستناد إلى:
تنبيه: هذا المقال يهدف إلى التحليل العلمي والتوثيق، وليس الهدف منه الطعن في أشخاص بعينهم، بل تسليط الضوء على ظاهرة فكرية تستحق الدراسة والفهم. نسأل الله التوفيق والسداد لجميع المسلمين.